تقرير علمي لـ”هارفرد” يرجّح كفة السويد: عواقب خطيرة للإجراءات المتشددة

كشف تقرير علمي جديد لجامعة هارفرد الشهيرة أن الدول التي تضغط بشدة الآن لوقف عدوى كورونا ستكون معرضة لموجة خطيرة من المرض في الخريف والشتاء. ويتفق التقرير مع الاستراتيجية التي تتبعها السويد للتعامل مع العدوى، حسب ما ذكرت صحيفة أفتونبلادت.

وكانت استراتيجية السويد الصحية في التعامل مع الوباء تعرضت لانتقادات عدة حوال العالم باعتبارها مختلفة عما اتبعته معظم الدول من إجراءات مشددة لإغلاق المجتمع.

وخلص تقرير هارفرد إلى نتيجة مفادها أن “إغلاق المجتمع الآن أسوأ ما يمكن فعله، بل وحتى أسوأ من عدم اتخاذ أي إجراء”.

وأكد التقرير أنه مع عدم وجود دواء أو لقاح ضد الفيروس المستجد فإن التباعد الاجتماعي هو السلاح الأول للسيطرة على انتشار العدوى.

ويشمل التباعد الاجتماعي ضمن أمور أخرى الابتعاد عن التجمعات والتواصل الجسدي الوثيق مع الآخرين.

ودرس التقرير الذي كتبه أربعة علماء في الأوبئة والمناعة تأثير إغلاق المجتمعات على انتشار العدوى على المدى الطويل.

وطبّق الباحثون، ستيفن كيسلر وكريستين تيديجانتو ومارك ليبزيتش ويوناتان غراد، الدراسة على الولايات المتحدة كمثال يمكن الاستفادة من نتائجه في الدول الأخرى.

ودرس العلماء باستخدام نموذج رياضي نقطتين أساسيتين: الأولى: ماذا يحدث إذا طبق المرء بعد أسبوعين من انتشار الوباء التباعد الاجتماعي لمدة 4 أسابيع أو 8 أو 12 أو 20 أسبوعاً. والثانية: إلى أي مدى يقل انتشار العدوى خلال هذه المدد، إلى 0 بالمئة أو 20 أو 40 أو 60 بالمئة.

وأظهرت النتائج بوضوح أن أفضل استراتيجية هي مرحلة طويلة من 20 أسبوعاً، حيث تقل العدوى خلالها بنسبة 20-40 بالمئة. وفي هذه الحال يكون عدد المصابين بالعدوى خلال وقت واحد أقل بكثير، كما يقل عدد المصابين طوال فترة انتشار الوباء.

إذن الرقم الأقل لتقليل العدوى، 20 بالمئة، هو الأكثر نجاحاً، باعتبار أن الباحثين يفترضون أن شدة العدوى موسمية، وتنتشر ببطء في الصيف.

وأوضح الباحثون أن “الضغط (بإجراءات مشددة) لتقليل انتشار العدوى 60 بالمئة خلال المراحل الأولى من الوباء سيقلل عدد المرضى الآن، لكنه قد يؤدي إلى مخاطر انتشار موجة ثانية ضخمة من المرض في الخريف والشتاء، لأن الضغط  كان فعالاً لدرجة أنه لم تتراكم أي مناعة بين السكان تقريباً”.

وأضافوا أن “الموجة الجديدة ستترافق مع عدد مصابين أكثر وخطورة أكبر على الرعاية الصحية، وسيكون الضغط الذي مارسته الدولة في بداية المرض أسوأ مما لو أنها لم تتخذ أي إجراء”، مشيرين إلى أن ذروة المرض سسترافق مع موسم الانفلونزا، ما يزيد الأمور سوءاً.

لا يمكن وقف العدوى

واستند افتراض الباحثين على مبدأ بسيط بأنه “لا يمكن وقف العدوى”. في حين حددوا الهدف بـ”التأكد من أن عدد المصابين لا يتجاوز قدرة الرعاية الطبية على الاستيعاب”.

وبالتالي فإن الاستراتيجية الأكثر نجاحاً وفقًا للنموذج الرياضي هي “تفعيل التباعد الاجتماعي عندما يزيد عدد الإصابات عن حد معين، وتقليل القيود عندما يتراجع عدد المصابين”.

وتتفق هذه النتيجة مع الاستراتيجية التي تعلنها السلطات الصحية في السويد.

لكن الباحثين يشيرون أيضاً إلى صعوبة تحديد الوقت اللازم لتشديد القيود أو تخفيفها، حيث يستغرق الأمر حوالي ثلاثة أسابيع بين اتخاذ التدابير وتقليل عدد المرضى الذي يحتاجون الرعاية الطبية. ودون مراقبة واسعة النطاق لانتشار العدوى من خلال الاختبارات، ستكون السلطات معرضة لخطر اتخاذ التدابير بعد فوات الأوان، وسيزيد عدد المرضى أكثر من قدرة الرعاية الطبية على الاستيعاب.

أما في حال نجاح هذه الاستراتيجية، فرأى الباحثون أن الحاجة للتباعد الاجتماعي ستقل بمرور الوقت، مع زيادة عدد الأشخاص الذين يتعافون، ويصبحون محصنين ولا يساهمون في انتشار العدوى.

تراجع في الصيف؟

وقال الباحثون إن بطء انتشار العدوى في الصيف سيكون له أهمية كبرى فيما لوحدث.

وفي بلدان مثل السويد يقل انتشار الفيروسات التي تشبه كورونا في الصيف ويزيد في الشتاء، لأسباب غير واضحة قد يكون منها أن الناس يقضون وقتاً أطول في المنزل خلال الشتاء، أو أن المدارس تكون مفتوحة، أو بسبب تأثيرات الطقس. لكن الأمر لا يزال غير محسوم بالنسبة للفيروس المستجد.

حتى العام 2022

وقال الباحثون إن الوباء قد يستمر حتى يوليو 2022، لكن من الممكن إنهاء التباعد الاجتماعي تماماً خلال النصف الأول من 2021.

ولفتوا إلى أن ذلك قد يتأثر بعوامل عدة منها “إذا زدنا قدرة العناية المركزة، فلا داعي لأن نكون صارمين في فرض الإجراءات. كما أن اكتشاف علاج ضد الفيروس سيمكننا من رعاية مزيد من الناس في نفس الوقت ومعالجتهم في وقت أقصر، ولن يكون إصابة مزيد من الناس خطيراً. ويمكن للقاح أن يعزز المناعة بسرعة ويقلل من الحاجة إلى التباعد الاجتماعي. لكن لا أحد تقريباً يعتقد بأن اللقاح سيكون متاحاً قبل 12-18 شهراً، في أفضل الأحوال”.

ولفت الباحثون إلى أن تقريرهم يعتمد على نموذج الحساب الرياضي دون أن يأخذ بالاعتبار عوامل أخرى مثل الحاجة مع مرور الوقت إلى زيادة أدوات الوقاية ومضاعفة وحدات العناية المركزة، وغيرها.

تأييد لهيئة الصحة

وقالت رئيسة قسم التحليل في هيئة الصحة العامة، ليزا برورز، إن تقرير هارفرد يقدم دعماً للخط الذي تتبعه الهيئة، مضيفة “يبدو أنهم (الباحثين) يستندون إلى افتراضات معقولة”.

غير أنها أضافت “لا يزال مستحيلاً تحديد تأثير التدابير التي اتخذتها السويد (..) لا أعتقد بأن أي دولة في العالم يمكنها أن تقول ذلك”.

المصدر: مؤسسة الكومبس الإعلامية